فصل: 9- استحباب ثلاث حثيات على القبر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.9- استحباب ثلاث حثيات على القبر:

ويستحب أن يحثو من شهد الدفن ثلاث حثيات بيديه على القبر من جهة رأس الميت، لما رواه ابن ماجه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة، ثم أتى قبر الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثا» واستحب الائمة الثلاثة أن يقول في الحثية الأولى: {منها خلقناكم} وفي الثانية: {وفيها نعيدكم} وفي الثالثة: {ومنها نخرجكم تارة أخرى} لما روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما وضعت أم كلثوم بنته في القبر.
وقال أحمد: لا يطلب قراءة شيء عند حثو التراب لضعف الحديث.

.10- استحباب الدعاء للميت بعد الفراغ من الدفن:

يستحب الاستغفار للميت عند الفراغ من دفنه وسؤال التثبيت له، لأنه يسأل في هذه الحالة.
فعن عثمان قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، فقال: «استغفروا لأخيكم وسلواله التثبيت فانه الآن يسأل» رواه أبو داود والحاكم وصححه، والبزار وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه.
وروى رزين عن علي: أنه كان إذا فرغ من دفن الميت قال: اللهم هذا عبدك نزل بك واتت خير منزول به فاغفر له ووسع مدخله.
واستحب ابن عمر قراءة أول سورة البقرة وخاتمتها على القبر بعد الدفن رواه البيهقي بسند حسن.

.11- حكم التلقين بعد الدفن:

استحب بعض أهل العلم والشافعي أن يلقن الميت بعد الدفن، لما رواه سعيد بن منصور عن راشد بن سعد، وضمرة بن حبيب، وحكيم بن عمير قالوا: إذا سوي على الميت قبره، وانصرف الناس عنه كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره: يا فلان قل: لاإله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله ثلاث مرات يا فلان قل: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم. ثم ينصرف.
وقد ذكر هذا الاثر الحافظ في التلخيص وسكت عنه.
وروى الطبراني من حديث أبي أمامة أنه قال: «إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم يقول: يا فلان بن فلانة، فانه يستوي قاعدا. ثم يقول: يا فلان بن فلانة فانه يقول: ارشدنا يرحمك الله، ولكن لا تشعرون. فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما، فان منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد بيد صاحبه، ويقول: انطلق بنا ما يقعدنا عند من لقن حجته» فقال رجل: يا رسول الله فان لم يعرف أمه؟ قال: «ينسبه إلى أمه حواء: يا فلان ابن حواء».
قال الحافظ في التلخيص: واسناده صالح، وقد قواه الضياء في أحكامه.
وفي إسناده عاصم بن عبد الله، وهو ضعيف.
وقال الهيثمي بعد أن ساقه: في إسناده جماعة لم أعرفهم.
قال النووي: هذا الحديث وان كان ضعيفا فيستأنس به، وقد اتفق علماء المحدثين وغيرهم على المسامحة في أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب، وقد اعتضد بشواهد كحديث «واسألوا له التثبيت» ووصية عمرو بن العاص وهما صحيحان، ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا في زمن من يقتدى به وإلى الآن.
وذهبت المالكية في المشهور عنهم، وبعض الحنابلة الى أن التلقين مكروه.
وقال الاثرم: قلت لأحمد: هذا الذي يصنعونه، إذا دفن الميت، يقف الرجل ويقول: يا فلان بن فلانة...قال: ما رأيت أحدا يفعله إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة.
يروى فيه عن أبي بكر بن أبي مريم، عن أشياخهم: أنهم كانوا يفعلونه، وكان إسماعيل بن عياش يرويه، يشير إلى حديث أبي أمامة.

.السنة في بناء المقابر:

من السنة أن يرفع القبر عن الأرض قدر شبر، ليعرف أنه قبر، ويحرم رفعه زيادة على ذلك.
لما رواه مسلم وغيره عن هرون: أن ثمامة بن شفى حدثه.
قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوي.
ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها.
وروي عن أبي الهياج الاسدي.
قال: قال لي علي بن أبي طالب: الا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته».
قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يكرهون أن يرفع القبر فوق الأرض إلا بقدر ما يعرف أنه قبر لكيلا يوطأ ولا يجلس عليه.
وقد كان الولاة يهدمون ما بني في المقابر - مما زاد على المشروع - عملا بالسنة الصحيحة.
قال الشافعي: وأحب الا يزاد في القبر تراب من غيره، وإنما أحب أن يشخص على وجه الأرض شبرا أو نحوه وأحب أن لايبنى ولايجصص، فان ذلك يشبه الزينة والخيلاء.
وليس الموت موضع واحد منهما، ولم أر قبور المهاجرين والانصار مجصصة.
وقد رأيت من الولاة من يهدم ما بني في المقابر، ولم أر الفقهاء يعيبون عليه ذلك.
قال الشوكاني: والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم، وقد صرح بذلك اصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك، والقول بأنه غير محظور لوقوعه من السلف والخلف بلانكير - كما قال الإمام يحيى والمهدي في الغيث - لا يصح، لأن غاية ما فيه أنهم سكتوا عن ذلك والسكوت لا يكون دليلا إذا كان في الأمور الظنية، وتحريم رفع القبور ظن.
ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولا أوليا القباب والمشاهد المعمورة على القبور، وايضا هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك..وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها مفاسد يبكي لها الإسلام.
منها اعتقاد الجهلة فيها كاعتقاد الكفار في الاصنام، وعظموا ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضر فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأل العباد من ربهم، وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا.
وبالجملة: إنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالاصنام إلا فعلوه.
فإنا لله وإنا إليه راجعون ومع هذا المنكر الشنيع، والكفر الفظيع، لاتجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لاعالما، ولا متعلما، ولا أميرا ولاوزيرا ولاملكا.
وقد توارد إلينا من الاخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه، حلف بالله فاجرا، فإذا قيل له بعد ذلك: بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبين الادلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين، أو ثالث ثلاثة.
فيا علماء الدين ويا ملوك الإسلام أي رزء للاسلام أشد من الكفر، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله، وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا؟.
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي ولو نارا نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد وقد أفتى العلماء بهدم المساجد والقباب التي بنيت على المقابر.
قال ابن حجر في الزواجر: وتجب المبادرة لهدم المساجد والقباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار، لأنها أسست على معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه نهى عن ذلك وأمر بهدم القبور المشرفة.
وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر، ولا يصح وقفه ونذره.
تسنيم القبر وتسطيحه اتفق الفقهاء على جواز تسنيم القبر وتسطيحه.
قال الطبري: لاأحب أن يتعدى في القبور أحد المعنيين من تسويتها بالأرض، أو رفعها مسنمة قدر شبر على ما عليه عمل المسلمين، وتسوية القبور ليست بتسطيح.
وقد اختلف الفقهاء في الافضل منها، فنقل القاضي عياض عن أكثر أهل العلم: أن الافضل تسنيمها، لأن سفيان النمار حدثه أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما، رواه البخاري.
وهذا رأي أبي حنيفة ومالك وأحمد والمزني وكثير من الشافعية.
وذهب الشافعي إلى أن التسطيح أفضل لامر الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسوية.
تعليم القبر بعلامة يجوز أن يوضع على القبر علامة، من حجرة أو خشب يعرف بها، لما رواه ابن ماجه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم «أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة» أي وضع عليه الصخرة ليتبين به.
وفي الزوائد: هذا إسناد حسن رواه أبو داود من حديث المطلب بن أبي وداعة.
وفيه: أنه حمل الصخرة فوضعها عند رأسه وقال: أتعلم بها قبر أخي، وادفن إليه من مات من أهلي.
وفي الحديث استحباب جمع الموتى الاقارب في أماكن متجاورة لأنه أيسر لزيارتهم وأكثر للترحم عليهم.

.خلع النعال في المقابر:

ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا بأس بالمشي في المقابر بالنعال.
قال جرير بن حازم: رأيت الحسن وابن سيرين يمشيان بين القبور بنعالهم.
وروى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أنه قال: «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم» وقد استدل العلماء بهذا الحديث على جواز المشي في المقابر بالنعل: إذ لا يسمع قرع النعل إلا إذا مشوا بها.
وكره الإمام أحمد المشي بالنعال السبتية في المقابر، لما رواه أبو داودو النسائي وابن ماجه عن بشير مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى رجل يمشي في القبور عليه نعلان فقال: «يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك» فنظر الرجل، فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعهما فرمى بهما.
قال الخطابي: يشبه أن يكون إنما كره ذلك لما فيه من الخيلاء، وذلك أن نعال السبت من لباس أهل الترفه والتنعم.
ثم قال: فأحب صلى الله عليه وسلم أن يكون دخوله المقابر على زي التواضع ولباس اهل الخشوع.
والكراهة عند أحمد عند عدم العذر.
فإذا كان هناك عذر يمنع الماشي من الخلع كالشوكة أو النجاسة انتفت الكراهة.
النهي عن ستر القبور لا يحل ستر الاضرحة، لما فيه من العبث وصرف المال في غير غرض شرعي، وتضليل العامة، روى البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزاة، فأخذت نمطا فسترته على الباب، فلما قدم رأى النمط، فجذبه حتى هتكه، ثم قال: «إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين».

.تحريم المساجد والسرج على المقابر:

جاءت الأحاديث الصحيحة الصريحة بتحريم بناء المساجد في المقابر واتخاذ السرج عليها.
1- روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
2- روى أحمد وأصحاب السنن إلا ابن ماجه، وحسنه الترمذي، عن ابن عباس قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج».
3- وفي صحيح مسلم عن عبد الله البجلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فان الله عز وجل قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، وان من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور انبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك».
4- وفيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
5- وروى البخاري ومسلم عن عائشة، أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة - رأتاها بالحبشة فيها تصاوير - لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة».
قال صاحب المغني: ولايجوز اتخاذ المساجد على القبور لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله زوارات القبور والمتخذات عليهن المساجد والسرج» رواه أبو داود والنسائي ولفظه: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم...الخ» ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله، ولان فيه تضييعا للمال في غير فائدة وافراطا في تعظيم القبور اشبه تعظيم الاصنام، ولايجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر مثل ما صنعوا متفق عليه.
وقالت عائشة: إنما لم يبرز قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يتخذ مسجدا، ولان تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الاصنام لها والتقرب إليها، وقد روينا أن ابتداء عبادة الاصنام تعظيم الأموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عليها.